أحد أبرز معالم المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية هو الحضور القوي لجماعة “الأخوان المسلمون”، باعتبارها القوة السياسية الوحيدة التي تمتلك القدرة على إزعاج الحزب الحاكم وتمثيل قدر من المنافسة له. إذ تمكنت الجماعة في المرحلة الأولى، رغم التضييقات والتهميش والحظر من اكتساح 2% من مقاعد المرحلة الأولى. وتتوافق هذه الملاحظة مع معطيات الانتخابات البرلمانية في كثير من الدول العربية والتي تظهر أن الأخوان هم القوة الشعبية الكبيرة التي تمتلك تحريك الشارع وحشده عندما تريد.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ما هو سر قوة الأخوان ونفوذهم في الشارع العربي؟
ابتداء لا يمكن أن نحيل هذه القوة إلى “البرنامج السياسي” للجماعة؛ إذ إن القراءة الموضوعية لبرامج الجماعة في العديد من الدول العربية تظهر أنها برامج غير عملية تتكئ على لغة الشعارات “والمايجبيات” وليس الحلول والبدائل العملية الموضوعية.
في المقابل، يمكن إحالة قوة “الإخوان المسلمون” إلى أربعة عوامل رئيسة؛ يرتبط أولها بالمجتمعات العربية، فمن الواضح أن هناك صحوة دينية تجتاح الشارع العربي منذ انهيار المشروع القومي عام 1967، وهناك إقبال كبير على التدين ومظاهره في المجتمعات، وقد تمكن خطاب الإخوان من خلق حالة من الاقتران لدى كثير من الناس بين مشروع الإخوان على الصعيد السياسي وبين حالة التدين على المستوى الاجتماعي. كما أن الأخوان- في الأصل- هم حركة اجتماعية تعتمد على خطاب إصلاحي اجتماعي وعلى أدوات التجنيد والتنشئة والتواصل الاجتماعي كالمساجد والمدارس والمراكز الصيفية والخدمات الاجتماعية بما في ذلك الأندية والجمعيات التعاونية.
وفي ظل الصحوة الإسلامية- الاجتماعية كان الصراع على هوية الدولة والمجتمع على أشده بين التيارات السياسية والفكرية العربية، وانعكس هذا الصراع على السلوك التصويتي للمواطنين والشارع وقد نجح الإخوان -من خلال أدواتهم وشعارهم”الإسلام هو الحل”- في وضع الناس أمام جملة رئيسة: إذا كنت تريد أن يكون للإسلام والأخلاق دور محوري في المجتمع والدولة فعليك أن تعطي صوتك للإخوان المسلمين. وبذلك تم تجيير الصحوة الإسلامية سياسيا لصالحهم.
من جهة أخرى، كانت الأحزاب السياسية العربية وبالتحديد اليسارية والقومية تعاني من عزلة اجتماعية حقيقية، وانصراف الشارع عنها، ويعود السبب الرئيس في ذلك لقصور خطاب هذه الأحزاب وجموده وعدم القدرة على تجاوز المرحلة السابقة، فبقيت أسيرة لفكر تجاوزه الشارع منذ انهيار المشروع القومي واليساري. لذلك مثّل ضعف الوسط الحزبي العربي أحد أبرز عوامل قوة الإخوان.
العامل الثالث في سبب قوة الإخوان يرتبط بطبيعة الحكومات العربية التي فقدت كثيرا من مصداقيتها أمام حالة الفشل الذريع في إدارة أزماتها الداخلية والتعامل مع قضايا التنمية والنهضة والمعضلات الاقتصادية، وعجزها – أيضا- عن مواجهة التحديات الخارجية والرد على العدوان والاحتلال والهيمنة وسوء إدارة الموارد البشرية والاقتصادية. الأمر الذي انعكس على تصويت الشارع للإخوان وكأنه “تصويت عقابي” ضد السلطة لصالح المعارضة الرئيسة، على الرغم من عدم قناعة كثير من الناس بقدرة “الإخوان” على تحقيق الوعود والشعارات التي يرفعونها.
ويعود سر قوة “الإخوان” كذلك إلى طبيعة الجماعة ومستوى النظام والالتزام اللذين وصل إليهما أفرادها، والطابع الأخلاقي والتربوي الصارم الذي تمتاز به، إذ يجعل من أغلب أفراد الجماعة يتعاملون وفق منطق “الجندي المتحفز” الذي يؤدي واجبه تجاه دينه ومجتمعه، ويحاول أن يبتعد عن الأهداف والمصالح الشخصية. فهذا النوع من التنشئة والتنظيم منح الجماعة قدرات بشرية كبيرة، تلقى قبولا اجتماعيا من ناحية، وتمتاز بالنشاط والفعالية والانضباط من ناحية ثانية. كما أن أفراد جماعة الإخوان في العديد من الدول العربية يمتازون بأنهم من الطبقة الوسطى المتعلمة والمثقفة، ما يمنحهم القدرة الجيدة على الاتصال الاجتماعي والفردي والتأثير على شرائح واسعة من الناس في الجامعات والشركات والمنتديات والمساجد.
“الإخوان” لا يمتلكون خطابا سياسيا مقنعا إلى الآن، وإذا وضع على محك التحليل السياسي العلمي الرصين سيكون ضعيفا وباهتا. إلا أن قوتهم الشعبية تجعل من الضرورة فتح المجال لهم للمشاركة في الحكومات بل وتشكيلها وهو الحل الوحيد الذي يسمح للحياة السياسية العربية بتجاوز حالة الفراغ والجمود الناشئ عن استفراد السلطة بالقرار والإخوان بالشارع!
بقلم محمد أبو رمان
21/11/2005