خواطر وأفكار حول انتخابات البلدية الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وأمدنا بالفكر الصائب والتوفيق في الطرح بموضوعية.. وبعد عندما نشرت مقالاتي الأربعة عن (الانتخابات البلدية وضرورة توعية وتثقيف المواطنين) كان لذلك ردود متباينة بين مؤيد وغير مؤيد بمناقشات وأراء مختلفة ، وكان التأييد أكثر وطلب المزيد أعم واشمل مما شجع على طرح الأفكار والخواطر , ولعلني ابدأ بما دار من حديث مع صديق وزميل عزيز قال لي بالأمس كان آخر مقال لك عن الانتخابات البلدية ، ثم أردف ـ مازحاً ـ هل تنوي المشاركة بترشيح نفسك ؟ فرديت عليه بنفس الأسلوب ولماذا لا أشارك ؟ وأنا أدعو وأطالب بتضافر الجهود لإنجاح هذه التجربة كمشاركة وطنية في اختيار بعض أعضاء المجالس البلدية باعتبارها خطوة جادة وعملية من خطوات الإصلاح التي تنتهجها الدولة بشكل تدريجي وبحكمة تكفل تحقيق النجاح والوصول إلى الأهداف المبتغاة ذلك لأن قرار مجلس الوزراء رقم 224 وتاريخ 17/8/1424 هـ أكد على تفعيل المجالس البلدية بالمشاركة الوطنية في اتخاذ القرارات ،وهذا لا يتحقق إلا بتوسيع مشاركة المواطنين من أجل إدارة الشؤون المحلية عن طريق انتخاب عدد من الأعضاء من ذوي الكفاءة والمقدرة الذين تتوافر فيهم الشروط ولديهم تأهيل علمي وخبرة عملية تمكنهم من المشاركة الحقيقية ،ثم أضفت أنني عندما أعزم على ترشيح نفسي ضمن جدول المرشحين فإنني لا أنوي القيام بأية حملة انتخابية دعائية لصالحي بالأسلوب الدعائي الذي قلت أنه غير مناسب في مقالي الثاني لأن يأخذ نمط التقليد المعيب في شكل أنماط الاحتفالات والولائم والتجمعات للدعاية والترويج وتمجيد للنفس بمثل ما سمعنا وقرأنا عن بعض ما يقال أنه (.. يتوقع أن يصرف كل مرشح في الانتخابات البلدية أكثر من مليون ريال في حملة الانتخاب … وبعض المرشحين استعانوا بشركات إعلامية من خارج المملكة ..) وغير ذلك مما اعتقد أنه كلام مبالغ فيه وغير منطقي لأن هذا تقليد مرفوض لكونه أشبه بمن يشتري أصوات الناخبين الجهلة , ولعل ما عرض في حلقة ( طاش ما طاش ) الهزلية يوم الثلاثاء 5/9/1425 هـ يوضح بجلاء خيبة أمل وخذلان من يقوم بحملات انتخابية مرفوضة وممقوتة عندما أعلن فوز الشخص الذي لم يقم بحملة انتخابية , وهذا التمثيل الهزلي المضحك فيه الدرس والعضة والتوعية لكل من يفكر في عمل حملة انتخابية زائفة بمثل ما كتب عنه وسمعناه , إذ المفترض فيمن يرشح نفسه للانتخاب أن يكون من منطلق المواطنة الحقة في المشاركة بالاستعداد التام للعمل بأمانة وإخلاص على أساس ما سوف يقوم به فيما لو انتخب على اعتبار أنه تكليف و مسؤولية وأمانة وعبء , وليس تشريفا ووجاهة وحب ظهور ( بريستيج prestige ) أو عمل من أجل تحقيق مصالح شخصية , ولذا فإن المخلص هو الذي يكتفي فقط بالتعريف الشخصي بنفسه دون مبالغة حتى يعرفه الناخبون الواعون , وذلك من حيث تأهيله العلمي وخبرته العملية ليس أكثر ولمن يقتنع بذلك يعطي صوته للمرشح الذي يقتنع به وهو حر في ذلك , وهذا ما يمكن أن أقوم به لو رشحت نفسي , وعندما قلت ذلك ضحك هذا الصديق من كلامي وقال إذن لن تفوز ؟!! فرديت عليه بأنه لا يهمني أن أفوز بالانتخاب أو لا أفوز لأن هذه مسألة تعود للناخبين ومدى قناعتهم واستقلاليتهم في الاختيار ، بل ومدى ثقافتهم الانتخابية بشأن اختيار الشخص الكفء وعدم تأثرهم بعواطف القرابة والعشائرية والمناطقية والإقليمية والمصالح الشخصية وغير ذلك من المؤثرات التي تخل باستقلالية الناخب ، وهي تجربة يجب على كل المؤهلين والمثقفين المشاركة بها حتى لا يلقوا باللائمة على أنفسهم عندما لا تنجح التجربة أو يكتنفها سوء تطبيق للأنظمة ، أو القول بأن المرشحين لم يكونوا – أصلاً – في المستوى المطلوب لأن ذوي العلم والخبرة والدراية تركوا الساحة خالية لهم بحجج واهية وتبريرات غير مقبولة وتوقعات حدسية خيالية وما إلى ذلك ، فهناك دول أقل منا ثقافة وعلماً خاضت التجارب ، وحصل فيها بعض العيوب والتجاوزات لكنها في كل مرة أفضل من سابقتها ولا نريد أن نذكر أمثلة لذلك فالقارئ يعرف ويدرك ذلك مثل ما نعرف . إن ما ذكره الصديق وجرني إليه جعلني أخذ قلمي لأسطر هذه الخواطر والأفكار منادياً وراجياً من كل المؤهلين ذوي الخبرة العملية والدراية ممن يرى في نفسه المقدرة أن يرشح نفسه سواء من الأكاديميين أو رجال الأعمال أو الموظفين الأكفاء في القطاعين العام والخاص أو المهنيين من محاسبين ومهندسين ومحامين وغيرهم طالما كانت تنطبق عليهم شروط العضوية في مجالس البلدية والمنصوص عليها في المادة (11) من نظام البلديات والقرى الصادر عام 1397هـ ولا يترك المجال لطالبي الولاية من أجل الوجاهة وحب الظهور أو خدمة مصالحهم الخاصة ، أو حتى لمجرد أن يقال عنه بأنه عضو المجلس البلدي دون أن يكون له دور فاعل في هذه العضوية لعدم كفاءته حسب مستواه العلمي وخبرته العملية . إنني أسمع عدد ممن أعرفهم غير مهتمين بمسألة الانتخابات البلدية بمقولات وتبريرات غير مقنعة لا أحبذ ذكر بعض منها لأنها قد لا تكون صائبة أو مجرد توقعات احتمالية خاطئة خطرت على بال كثير منهم من منطلقات أو تجارب مرت عليهم بشأن بعض التعيينات والاختيارات التي تتم بدون انتخاب وباجتهاد وهي قد تكون صحيحة أو خاطئة وهذه مسألة عادية تحصل إذ ليس كل اجتهاد يفترض فيه الصواب بإطلاق بل يحتمل فيه الخطأ كما يحتمل الصواب ، فالناس في ميولهم وتوقعاتهم مختلفين ، وبالتالي لا نستغرب ما يثيره بعضهم حول عملية الانتخاب المقبلة من توقعات سلبية قد تحصل وقد لا تحصل ، ولذا أقول وأكرر بأن من الواجب أن نبتعد عن هذه التوقعات السلبية ونخوض التجربة ونساعد بصدق وأمانة على إنجاح الانتخابات بالمشاركة الفعلية كل قدر استطاعته ، وهذا سوف يظهر الحقائق والنتائج واضحة وحتى لو افترضنا وجود سلبيات فإن لكل عمل ايجابيات وسلبيات ومتى كانت الإيجابيات أكثر من السلبيات فإن هذا يُعد نجاحاً لا يمكن إنكاره ، ولا التقليل من قيمته ، فالمشاركة مطلوبة من كل مواطن وخاصة من المثقفين والعارفين ليتحقق ما يقال من الحكم والأمثال (فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم) و (والحق يعلو ولا يعلى عليه) و (لكل مجتهد نصيب) و (ورحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه) ، واختم هذا المقال القصير بأن المهم حسن تطبيق النظام واللائحة التنفيذية وتعليمات حملات الدعاية الانتخابية بدقه وعناية حتى يتحقق النجاح وتكون الانتخابات نزيهة لأن هذا هو الأهم ، والله الهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المحامي الدكتور / إبراهيم بن عيسى بن علي العيسي …………………………………………………………………….. نشر هذا المقال في صحيفة الاقتصادية يوم الأربعاء 13/9/1425 هـ الموافق 27/10/2004 م