وقع الزعماء العرب معاهدة دفاع مشترك، على أساس أنهم أمة واحدة ولهم وتاريخ واحد ودين واحد ومصير واحد…إلى العدد عشرة من واحد، فضاعت فلسطين في ظل تلك المعاهدة. واحتلت العراق ربما تنفيذاً لتلك المعاهدة، بل وشارك العرب في غزو بلاد الرافدين بسبب تلك المعاهدة.
حار الفهم….وهَبنا الله ظهوراً، لماذا جعلناها مطايا لأمريكا؟
د. عوض السليمان/ فرنسا
22/9/2006
مجلة العصر
احتلت فلسطين، فعرفنا أن لنا عدواً في الأرض الطاهرة فقررنا حربه، كان كياناً صهيونياً. ولما توسع في احتلال أرضنا جعلناه عدواً إسرائيلياً، فزاد سفها فزدنا طيبة، إذ لم يعد العدو بل تحول إلى إسرائيل وحسب.
تمادى في العدوان علينا فغدا من شعوب المنطقة. دخل بيوتنا وفرض نفسه على عقولنا وتفنن في قتل أبنائنا، فأصبح إسرائيل الصديقة.
واليوم تجرم دول عربية عديدة، من دون قانون، ولك الحق في سب السلطان لكن ليس لك الحق في سب إسرائيل. حتى إن دولنا حاربت مطرباً شعبياً فقط لأنه يكره إسرائيل.
منذ احتلال فلسطين وبداية مشوار الضياع، تحدث العرب عن السلام، وباسم السلام ضاعفت إسرائيل المساحات التي تحتلها، وكل يوم يقتل رجل وتغتصب امرأة ويخطف طفل. وباسم محادثات السلام، تخلى العرب عن حقوقهم وأرضهم وكثيراً من كرامتهم. وبسبب من هذا السلام تم تدمير غزة وجنين ولبنان. وفجأة أخبرنا عمر موسى أن عملية السلام قد فشلت.
وقع الزعماء العرب معاهدة دفاع مشترك، على أساس أنهم أمة واحدة ولهم وتاريخ واحد ودين واحد ومصير واحد…إلى العدد عشرة من واحد، فضاعت فلسطين في ظل تلك المعاهدة. واحتلت العراق ربما تنفيذاً لتلك المعاهدة، بل وشارك العرب في غزو بلاد الرافدين بسبب تلك المعاهدة.
ثم ما لبثوا أن هددوا سورية بالتفتيت تطبيقاً لتلك المعاهدة. وطالبوا بإطلاق الجندي الأسير عملاً بتلك المعاهدة. وهاهم قبل أيام هددوا لبنان لكي لا تموت تلك المعاهدة. ولكي لا ينقضوا بنداً واحداً من تلك المعاهدة، سلموا أبناء دولهم إلى أمريكا على أساس أنهم إرهابيون. نعم هكذا هو احترام تلك المعاهدة.
تمتلئ أرض العرب بالنفط. بحار من النفط. هو لنا، لأبنائنا. لكن معظمه يذهب للعدو ليحرك الدبابات والطائرات والمجنزرات التي تقتل الفلسطينيين واللبنانيين وتهدد السوريين. نقتل أنفسنا بأيدينا، وإذا تكلمت وصفوك بالأحمق. إذ كيف تقول ذلك، فالنفط وسيلة للتنمية وليس سلاحاً عسكرياً. قبلنا ذلك وعلى العين والرأس، ولكن النفط مكتشف في بلادنا منذ عشرات السنين، فأين التنمية، أم أنها لم تكتشف بعد. أكثر من ثلثي سكان المنطقة يعيشون تحت خط الفقر. قام حزب الله بخطف جنديين محاربين بهدف إنقاذ الأسرى العرب. فرفع كرامة الأمة وجعل المضطهدين والمستضعفين يشعرون بالنصر والعزة. وخاض الحزب حرب تموز، فلقن العدو الإسرائيلي درساً، لا أعتقد أنه سينساه مدى حياته. فاجتمع الحكام العرب على قلب رجل واحد “حزب الله أيها المجرم”، لقد غامرت بشرفنا المصون.
قامت الطائرات الأمريكية بتدمير لبنان فوق أهلها وقتلت آلاف الأطفال، فقامت شخصيات لبنانية بشكر كونداليزا رايس وجورج بوش على ما بذلوه في سبيل نصرة لبنان ضد العدوان السوري!!
قامت جهة ما بقتل رفيق الحريري، هو رجل واحد، ولبناني الجنسية، اجتمع مجلس الأمن ليطالب بدمه من سورية. سورية بالذات. وأرعدت فرنسا وأزبدت وأمريكا “القصاص القصاص”. قامت إسرائيل بقتل وتشريد آلاف اللبنانيين، لكن مجلس الأمن لم يجتمع ليطالب بدمائهم، والحمد لله أنه لم يجتمع، لأنه لو فعل لطالب سورية مرة أخرى بتلك الدماء. الأغرب، أن مجلس الجامعة العربية لم يجتمع ليطالب بدم هؤلاء الشهداء من الأطفال والمدنيين، بل اجتمع للتغطية على ضياع تلك الدماء الزكية. فيكون دم الحريري أغلى على أمريكا وفرنسا والعرب من دم كل أولئك البرآء.
منَّ الله على مصر بكبر الحجم، وقوة الشكيمة، وجلد المواطنين، فقررت مصر أن لا تقاتل باسم العرب أو باسم المسلمين، ولتدَمّر لبنان فوق رؤوس أهلها، وما لنا وللعراق، وكل مسئول عن بيته “وكل واحد يدبر رأسه”.
ولأن مصر تستفيد من مواردها في خدمة الأمة المصرية فقط، لا يمر عام إلا وتغرق العبّارات بأهلها وتصطدم القطارات ويموت الناس حرقاً وهم يشاهدون المسرح. بل وتعزيزاً لتنمية الأمة المصرية، تهجّر العقول العظيمة إلى أوروبا وأمريكا.
قام مجلس الأمن بفرض إسرائيل علينا وأطعمها لأولادنا، ووقف ضد كل قرار فيه مصلحة للعرب، وحمى مدللته من أي موقف عربي، وإن كان هشاً أو ذليلاً. وفي كل مرة توجه العرب إلى مجلس الأمن عادوا بخفي حنين على وجوههم. فماذا فعل العرب بعد الاعتداء الأخير على لبنان، توجهوا إلى مجلس الأمن ليس ليعودوا هذه المرة بخفي حنين بل بخفي بوش فوق رؤوسهم.
البلاد العربية بلد واحد. قطعت باتفاقيات العدو المستعمر سايكس – بيكو. وإذا نظرت إلى خريطة الدول العربية، ستراها قد قسمت بالمسطرة بين المستعمرين. ولذلك تحدث العرب عن الوحدة العربية. ولما أصبحت الوحدة أكثر أهمية تحدث إعلامنا عن وحدة أجزاء من الدول العربية. فلما اضطررنا إليها أكثر، تحدثوا عن التضامن العربي ثم العمل العربي المشترك. ثم هاهم اليوم، حيث أصبح الأمر ملحاً، يتحدثون عن الأردن أولاً ومصر أولاً..و…وإسرائيل أولاً.
وليتهم وقفوا عند ذلك، فهذه سورية تحت العدسة، يطالبونها مرة بضبط سياستها ومرة بحصص مائية وأخرى بحقوقهم الكهربائية. ولا تخفى الخلافات القابلة للاشتعال بين المغرب والجزائر، أو السعودية وقطر، أو مصر والسودان ولا تزال القائمة طويلة. ولعل الخلافات بين الدول العربية المتجاورة أشد من تلك التي ضد إسرائيل، وكل هذا يتم تطبيقاً للوحدة العربية.
في الدول العربية، تجري انتخابات، في نهاية كل فترة رئاسية، لكن الغريب أن الرئيس نفسه هو الذي ينجح، لا يعرف الخسارة أبدأ. المشكلة ليست هنا، بل هي في نسبة النجاح التي تفوق التصور. والذي يحيرني في المسألة، طالما أننا متأكدون أن الرئيس سينجح، على فرض أن له خصماً انتخابياً، فلماذا نجري الانتخابات أصلاً، أليست مضيعة للوقت والمال.
في فلسطين الأسيرة، جرت انتخابات حرة, ونزيهة، نجحت فيها حماس نجاحاً كاسحاً، وقف العالم كله ضد هذه الديمقراطية، ومارسوا أساليب التجويع ضد الشعب الفلسطيني. وطالبوا بإعادة الانتخابات مرةً، وعدم التحدث إلى حماس أخرى، وسلطوا عليها الفتن الداخلية مرةً ثالثة.
ولا أرى لذلك أهمية، فهذا هو العدو ومن وراءه، يخافون من حماس ومن فكر حماس. لكن المشكلة في الدول العربية، التي حاربت بدورها حماس وساهمت أيضاً بتجويع الفلسطينيين، بل واعتبرت حماس غير شرعية. على أية حال ربما للعرب الحق في اعتبار حماس غير شرعية، فهي لم تحصل على الأربع تسعات. ولن تكون شرعية إلا إذا انضمت إلى نادي الزعماء العرب، فاعترفت بالعدو، وحاربت “الإرهاب” وأثبتت حسن النوايا.
قام ثلة من المجاهدين بمحاربة أمريكا بالنفس والمال، فأذاقوها الجحيم في العراق. وجعلوا هذه “الأمريكا” مرتبكة، ومتعبة، بل ومشتتة، تبذل جهدها في السيطرة على الوضع دون فائدة، وتحاول إخفاء عدد قتلاها الذين تجاوزا الآلاف المؤلفة. وبدل أن نفرح بهؤلاء المجاهدين ونشد على أيديهم، ونساعدهم بكل ما نملك، وقفنا مع أمريكا عدوة الحضارة، لنصفهم مرة بالإرهابيين ومرة بالصّدّاميين ومرة بالظّلاميين، وتجاوز الأمر ذلك إذ تساهم مخابرات بلادنا العتيدة في الإيقاع بهم وتسليمهم لأمريكا.
لقد منّ الله علينا فأعطانا ظهوراً لتسندنا، فجعلناها مطايا لأمريكا. ألم أقل لكم: حار الفهم!!